.
فترة الإستقلال
بعد خروج الجزائر من 132 سنة تحت الظل الفرنسي، و 7 سنوات ثورية للإستقلال، كانت رسميا مستقلة في 3 جويلية 1962، و معترفا بها في 5 جويلية. الجزائر المنهكة بعدد السنوات المريرة، من الحرب ضد الأعداء ثم بين الاخوة، خرجت من المعمعة بنظام ستاليني.
ثلاثة من المتزاحمين على السلطة كانوا على الساحة، الحكومة المؤقتة، التي أسسها حزب الجبهة FLN في 1958، القادة العسكريون، أخيرا، قادة الولايات (ولات إداريون عينهم العسكريون داخليا) تغلف النزاع حتى قبل الاستقلال، بالجهوية و العقيدة الفكرية. في تجمع شهر ماي 1962، في طرابلس، تفاهم بعض زعماء الجبهة مع الرئيس بن بلة على زعامة الحزب و ما سيكون لاحقا، شعب الجزائر، في تحالف مع العقيد هواري بومدين.
[عدل] فترة البطولة: حكم بن بلّة، 1962-65
اتخذ بن بلّة لقب الرئيس الوطني بعد الاستقلال. جاءت أول انتخابات للمجالس الشعبية، في 20 سبتمبر 1962، بعدها، عين المنتخبون من هذا المجلس، بن بلّة زعيما. عين بن بلّة أعضاء حكومته من العسكر و أصدقاءه المقربين، فظهر أن الإنفصام سيزداد.
كان على الحكومة الجديدة اعادة نوع من الهدوء للسياسة و الاقتصاد المنهكين من سنوات العنف. غادر أغلب الأوربيون الموجدون خلال تلك الفترة، فبقت الحكومة من دون معلمين أو فنيين و غيرهم. خلال هذه الفترة، قدمت فكرة التأميم الشامل لكل ما خلفه المستعمر، بسياسة الإشتراكية، كان فيها العمال مسؤولين عن شركاتهم، بانتخابات. كما جعلت الدولة إداريين، يراقب ضمان سير العمال على النهج الوطني في التخطيط.
خلق دستور للبلاد، مشرعا الإشتراكية كخط، رئاسة قوية، و سياسة الحزب الواحد، جبهة التحرير الوطني، FLN. كان خلالها بن بلة، الأمين العام للحزب،. في سبتمبر 1963، انتخب بن بلة لخمس سنوات. مضى الحكم في الجزائر خلالها نحو الدكتاتورية و الفرقة الداخلية.
في أول مؤتمر للجبهة، في 1964، خرجت مسودة الجزائر العاصمة، التي حددت هياكل الدولة، و نظرة بن بلة للدولة الجزائرية. تضمنت المسودة أيضا، تاكيدا على إسلامية الدولة و عروبتها.
لم يستطع بن بلّة كسب ثقة الجمهور الجزائري، الذي عرفه تابعا فقط للحكومة المؤقتة برئاسة فرحات عباس و لا العسكر أنفسهم، الذين لاحظوا تدني مستواه السياسي و الحضاري. كان بن بلّة محبوبا لسبب كونه أحد قادة الثورة التاريخين، أكثر من كونه كفؤا جديرا بالسياسة. كان بن بلّة فطنا أيضا، حاول دعم نفسه بيساري العسكر أكثر من غيرهم، لكنه لم يكن قادرا على زعزعة مكانة وزير دفاعه هواري بومدين، التي كانت تحالفاته سببا في تزكيته رئيسا للحكومة عام 1962.
19 جوان، 1965، يشهد انقلابا أبيضا على أول رئيس للجزائر بعد الإستقلال، بن بلّة، يسجن معزولا بعدها، من طرف حليفه السابق، بومدين.
بومدين و مجلس الثورة، 1965-75
تحولت كل السلطات ليد بومدين ومجلس الثورة العسكري، بعد الانقلاب. عطل العمل بالدستور و المجلس الشعبي. عين بومدين رئيسا و وزيرا أول، كما عين أتباعه للمراكز العشرين الأخرى في المجلس. لا سياسة خارج حزب الجبهة، لمدة 10 سنين. كان الهدف المعلن، إعادة احياء قيم الثورة، إلغاء النزعة الفردية للسلطة لبن بلّة، وقف الفروقات الداخلية، و جعل اقتصاد اشتراكي حقيقي. جاء دعم بومدين من العسكر و النخبة من الفنيين حول مشروعه الثوري.
لم يكن الحكم الجديد محبوبا، كما تعددت محاولات القضاء عليه، خلال السنوات الأولى، كان فيها بومدين عرضة للقتل بسهولة كبيرة من الشيوعيين [2]، كما كان هو أيضا وراء اغتيالات قادة تاريخيين للثورة، أحدهم، أشد أعدائه، كريم بلقاسم، يقتل في فندق في ألمانيا الغربية.
كان لعب بومدين في حركة عدم الانحياز، كما كانت الحرب الباردة في أوجها، فأرسل قيادي العسكر للدراسة في الإتحاد السوفياتي، و كون الإطارات في قطاع المحروقات و الإدارة في واشنطن، ضامنا استقرار حكمه مع كبار العالم أثناءها.
شهدت سنوات السبعينات مع هذا، استقرار الحكم بين يدي بومدين، جعله يمضي في السياسة الإشتراكية، التي شهدت في السبعينات، حمى نحو التصنيع، المدعومة بأموال النفط. فقدان الدعم الفرنسي للتقنية، رافقه تعويض بفنيات الروس و حتى الأمريكيين. تأميم للمحروقات في 1971، رافقه تأميم بنسبة 90% للقطاع الصناعي، في حين، أهمل القطاع الزراعي.
لم يتغير الحقل السياسي، بقى كالاقتصاد مقفلا بين يدي العسكر. وجود مجالس جهوية، أو إدارية، كان مربوطا دائما بسياسة الحزب الواحد، الجبهة. كما لم توجد أية مشاركة سياسية في انتخابات. إستقرار و دعم الدولة على حساب التعددية، كانت ذهنية بومدين. كانت الفرقة الداخلية معزولة في حدود 1975، فأعلنت الدولة عن نية بعث السياسة و خلق دستور جديد، الجمهورية الجزائرية الثانية.
تجسيد الجمهورية الجزائرية الثانية، 1976-79
تم الوفاق على الميثاق الوطني في جوان 1976 باستفتاء عام، لوحظ فيه نقاش داخلي كثيف، نتاج تدخل النقابات العمالية، أعضاء الحزب الواحد، و حتى الجمعيات. ظهرت العقيدة في الميثاق الجديد كأساس، تأكيدا على الإشتراكية، و الحكم الفردي. تأكدت زعامة FLN كحزب واحد للبلاد، الممثل الوحيد لتاريخ البلد، و رمز الشعب الجزائري.
تبع الميثاق سريعا، دستور جديد. وثيقة طويلة عريضة، ب199 مادة، تحوي الهيكل السياسي الجديد المعلن في الميثاق الوطني. أعاد الدستور، مجلس الشعب، المكون فقط من أعضاء الحزب الواحد. أقرت المواد من 12 إلى 29 في دستور 1976، دور الجبهة الوحيد على الساحة. لم يكرس الدستور الجديد فصل السلطات، بل وطدها في الجهاز التنفيذي، الرئيس ببساطة. عين بومدين رئيسا للجمهورية و الحكومة، القائد الأعلى للقوات المسلحة، ووزير الدفاع، لم يبق إلا زعيم الحزب الواحد، و كان له ذلك.
تعزز موقع بومدين بسند العسكر الموالية، تحققت خلاله مرتبة فاقة مرتبة بن بلة في شعبيتها، و تم انتخابه مرة أخرى، في استفتاء منفرد عام 1976.
أنتخب المجلس الشعبي الجديد في فبراير 1977. صحيح أن أعضاءه كانت كلها من حزب جبهة التحرير، إلا أنها كانت بمعتقدات و مستويات مختلفة. كثير من العمال و الفلاحين المنتخبين، كعنوان للعدالة الإجتماعية الحقة، التي أرادها سلف بومدين في الدولة.
ديسمبر 1978، مات بومدين. تاركا حكومة موحدة، اقتصادا صناعيا، دولة اشتراكية، قطاع محروقات ضخم و مصدر، نظاما سياسيا مستقرا. ترك أيضا، فراغا سياسيا. رخاء السبعينات عاد لبومدين أخيرا، غيابه المفاجئ، ترك حزب الجبهة و مجلس الشعب في ورطة.
لم يكن له نائب رئيس، فعين رئيس مجلس الشعب، كخليفة مؤقت، خدم لغاية عقد مؤتمر استثنائي للجبهة، تم خلاله تقديم العسكري، والأكبر سنا بينهم، العقيد الشاذلي بن جديد، كرئيس للحزب الوحيد، و مرشحه للانتخابات الرئاسية، عام 1979.
بعد أسبوع، تم انتخابه في استفتاء، 6% فقط من المنتخبين لم يصوتوا له.
ما بعد بومدين
رغم الإستفتاء على الرئيس الشاذلي، لم يحظ خليفة بومدين بنفس مستوى التقدير سريعا. كان الرئيس حذرا خلال سنواته الأولى، و حتى تعديلاته، لم تكن خارجة عن نطاق الإشتراكية حينها.
مع مرور الوقت، بعدت السياسة الداخلية تدريجيا إشتراكية بومدين. بعد حصوله على 95% من الأصوات في 1985 في استفتاء آخر، غير بن جديد طاقم الحكومة، كما كان واثقا هذه المرة، من تغيير يطلبه المجتمع أيضا.
كان بومدين مهووسا بالصناعة، كتحديث للمجتمع، صناعة دخلتها الدولة بغياب القدرات و المؤهلات لصيانتها، و أكدت اخيرا، أنها أفقرت البلد و أضرته، أكثر من نفعها له. سقوط أسعار النفط خلال الثمانينات، ترك البلد في إدمان حقيقي، الزراعة المهملة قبلا، أعطت نتائج مخيبة دائما. زاد في البلية، بطالة زاحفة، (3.1% خلال الثمانينات) جعلتها أشياء مزعجة للحكومة.
نظرة بن جديد للتجديد كانت اقتصاد السوق. تحرير الأسعار، الاهتمام بالزراعة، و التركيز على الصناعة الخفيفة بدل الثقيلة. قام أيضا بن جديد بحملة ضد الفساد، ورغم ما يقال في نجاعتها، إلا أنها كانت سبب نزع الموالين لخط بومدين، مع اضفاء شرعية أخرى لبن جديد.
كانت اصلاحات بن جديد في القطاع الاقتصادي فقط، بين 97 و 1988، ادخل الإنفتاح السياسي، و حاول فرضه كبديهية. رخص للجمعيات المستقلة، وأعطى حرية انشاء مرصد لحقوق الإنسان المعارض لخنق الحريات قبلها. المركزية في القرارت ألغيت، كما تم تسريع الخوصصة، و فتح المجال للإستيراد الخارجي من غير الدولة.
رغم كل هذه الإصلاحات، أو بسببها ربما، وجدت الجزائر نفسها في نقطة فاصلة عام 1988. إعادة الهيكلة، أخلطت الاقتصاد الهش. البطالة ظهرت بعد الخوصصة، و نقص العائد المالي في الميزانية، بالإستيراد، سقطت قيمة الدينار، كما ان رفع دعم الأسعار في منجات زراعية غائبة أصلها جعلها تحترق في الأسواق.
كانت الطبقة الوسطى و العليا منتفعتين رغم هذا من السوق المنفتحة. سمح لها لأول مرة بتشكيل رأسمال، خروج و دخول بحرية من البلد. العمال و العمالة كانت المتضررة، و فقدت ثقة في اصلاحات الشاذلي بن جديد.
5 أكتوبر 1988، خرجت مظاهرات عارمة، أكبرها في تاريخ البلاد بعد الإستقلال. جاءت بعد أسابيع من الإضرابات، مفاجئة، في 6 أيام، من 5 إلى 11. هاجم الجزائريون مراكز الشرطة، البريد، و أي شيء يرمز للحزب الواحد، FLN.
لم تكن الظروف صعبة قبلها على بن جديد، شهد زمن بومدين أيضا نقصا في أشياء كثيرة، غطتها أسعار النفط العالية. خلال الثمانينات، غابت عائدات البترول الضخمة، و حاول بن جديد ابراز الخلل الذي كان في سياسات بومدين، كما أبرز الدور الذي يجب ان يلعبه الجمهور من جديد.
تصرفت الحكومة مع أكتوبر الأسود باعلان الطوارئ و طلب الجيش في الطرقات، لكن المظاهرات انتشرت. المئات ماتوا (حوالي 500) معظمهم شباب. زاد في الطين، تدخل الجيش غير المعقول، عنف، خلف آثارا لم تمحى، كانت سبب تحييده عن السياسة رسميا بعدها.
خرج بن جديد في 10 أكتوبر على التلفاز، طالبا الصفح، و معترفا بخطئ الجيش، ألغى بعدها حالة الطوارئ، أعاد الجيش لثكناته، و أعلن استفتاء على تغيير جذري للدستور.